م يعد مطار رفيق الحريري الدولي منفذاً جوياً للبنان إلى العالم، بل تحول إلى مستنقع للمشكلات والأزمات السياسية والاقتصادية المتراكمة في البلاد، مما انعكس سلباً على تصنيفه الدولي ولا سيما من قبل منظمة الطيران المدني الدولي "ICAO"، والوكالة الأوروبية لسلامة الطيران "EASA" التي صنفته "ما دون المقبول".
وكثيراً ما حذرت تقارير عربية ودولية من سيطرة "حزب الله" على مفاصل المطار الرئيسة واختراقه أمنياً واستخدام بناه التحتية لأعمال ذات طابع عسكري، مما يهدد سمعة المطار من جهة ومعايير السلامة العامة والخصوصية الشخصية للمسافرين من جهة أخرى، إلا أن إدارة المطار تنفي باستمرار تلك المعلومات وتؤكد عدم وجود أي اختراق أمني أو حزبي.
سهولة القرصنة
وبعد عملية القرصنة التي حصلت أخيراً، إذ جرى خرق نظام عرض معلومات الطيران، وظهرت على شاشات المغادرة والوصول رسائل إلى "حزب الله" وأمينه العام حسن نصر الله تطالبهما بعدم إقحام لبنان في حرب برزت إشكالية جديدة تضاف إلى سابقاتها وهي غياب الأمن "السيبراني" عن أحد أبرز المرافق الحيوية في البلاد.
وفي هذا السياق، يتخوف الخبير في التحول الرقمي وأمن المعلومات رولان أبي نجم، على سمعة المطار وما قد يؤدي إلى إدراجه على "اللائحة السوداء" وشطب تصنيفه كمطار دولي، مشيراً إلى أن الأنظمة المستخدمة فيه لم تحدث وأن الشاشات التي تم اختراقها لا تزال تعمل بنظام تشغيل "Window XP" القديم.
وحذر أبي نجم من أن المطار ربما كان "مخترقاً منذ أسابيع أو أشهر أو حتى سنوات ولا أحد يعلم بذلك"، وأن الخرق الذي حصل قد يكون أسفر أيضاً عن سرقة "داتا" باتت بحوزة جهات مجهولة. واعتبر الخبير في أمن المعلومات أن المعالجات التي اعتمدت في المطار غير كافية ولا تحقق الأمن السيبراني، إذ لم يحصل تحديث للأنظمة في المطار ولم تقم دورات تدريبية على الأمن السيبراني للموظفين، وفيما يجب أيضاً التعاقد مع شركة تدقيق في الأمن السيبراني تكشف على الأنظمة وتحدد الثغر فيها.
سيطرة أمنية
جددت تلك الإشكالات المستمرة المطالب بضرورة الإسراع بتأهيل مطار ثان في لبنان، إذ كثيراً ما طالبت شرائح واسعة بضرورة تفعيل أحد مطارات الشمال لأسباب اقتصادية وتنموية، إضافة إلى الأسباب المتعلقة بالسلامة العامة، إذ تعتمد معظم دول العالم على مطار رديف في حال تعرض عمل المطار الرئيس لأي خلل. إلا أن تلك المطالب تصطدم دائماً برفض "حزب الله" وحلفائه، واضعين المطالبة بإنشاء مطار آخر في إطار العمل على "الفيدرالية" و"تقسيم" البلاد وضرب الوحدة الوطنية.
وفي السياق، حمل النائب المعارض وضاح الصادق القضاء المسؤولية الكاملة عن أي ضرر حصل سابقاً في المطار، مثل طوفان المياه والاختراق السيبراني، وما قد يحصل في المستقبل، مذكراً أنه وقع مع 19 نائباً يمثلون كتلاً تضم 40 نائباً، إخباراً للقضاء موضوعه "تعريض إدارة الطيران المدني والسلامة العامة والملاحة الجوية لأخطار جسيمة وشبهات فساد في مطار رفيق الحريري الدولي"، من دون أن يكون هناك أي رد من القضاء المختص.
وأكد الصادق أن لبنان في حاجة فعلياً إلى عدة مطارات جديدة، والأفضل في رأيه أن يكون في محافظة البقاع القريبة من الحدود مع سوريا أو في محافظة الشمال، وذلك لتخفيف الضغط من الوافدين السوريين، هذا فضلاً عن سهولة الشحن التي يقدمها للشاحنات.
وأشار إلى أن منطقة المطار حالياً أصبحت سيئة إن كان أمنياً أو لناحية الضغط والاكتظاظ في جوار المطار مما خلق إشكالية لجهة الفلتان الأمني وإطلاق النار في الهواء وغيرها من المسائل. وأوضح الصادق أنه في كل دول العالم يكون المطار في أحسن أحواله بعيداً من العاصمة، مشيراً إلى أن كلفة أرض المطار الحالي باهظة جداً كونه في قلب العاصمة، ومن ثم يمكن أن ينقل جنوباً إلى منطقة الناعمة أو الجية فيما تستخدم أرضه الحالية في استثمارات أخرى.
وتابع الصادق قائلاً "المطار تحت سيطرة حزب الله بشكل كامل وليس تحت سيطرة الدولة، فالتهريب يسير فيه على مرأى من الجميع، وانتشار الفوضى والفساد فيه يسهمان بضرب صورته، فهناك جهة سياسية معينة تريد إبقاء مطار بيروت الدولي في مكانه كي يظل تحت سيطرتها العسكرية والأمنية، كونه مصدر دخل للأحزاب التي تسيطر عليه". وأشار إلى أنه "يمكن إنشاء مطار في المناطق التي تشهد نسبة شحن عالية، وآخر يكون للرحلات التجارية، ومطار حامات (شمالاً) يمكن أن يكون أحد الحلول".
حلول لا مركزية
من جهته أوضح النائب إلياس حنكش أن موضوع المطالبة بمطار ثان "قديم جديد"، معتبراً أن القرصنة ممكنة في كل دول العالم ولكن تراكم المشكلات في مطار رفيق الحريري الدولي والتحذيرات من النواب على مدى 10 سنوات عن موضوع أمن المطار والأمن القومي "كلها تترك لنا علامات استفهام كثيرة حول ما يجري في المطار".
ولفت إلى ضرورة اعتماد حلول لا مركزية في ملف المطار عبر تأهيل مطار آخر، مشيراً إلى "أن الحلول اللامركزية تفرض نفسها وكل شيء يسير في البلد بحلول لا مركزية فأي منطقة ليس لها أمن خاص أو خدمات خاصة"، ومشدداً على أن "التفكك الحاصل في مختلف القطاعات يدفعنا باتجاه حلول لا مركزية وأهمها موضوع المطار".
وتحدث حنكش عن مشكلة وجود مطمر للنفايات إلى جانب المطار، حيث شكلت الطيور خطراً على سلامة الطيران، إضافة إلى مشكلات أخرى كثيرة، مؤكداً وجود "جهات تستبيح المطار وسيادته وتتجاوز الأجهزة الأمنية"، ومذكراً بالاغتيالات التي طاولت شخصيات سياسية عقب وصولها إلى لبنان من الخارج عبر المطار ومنهم الصحافي جبران تويني واللواء وسام عيد والنائب أنطوان غانم، مما برأيه يطرح أسئلة حول المراقبة الحزبية داخل المطار.
الخطر الأمني
بدوره، رأى رئيس حزب "حركة التغيير" المحامي إيلي محفوض، أن الخطر الأمني والحقيقي الذي يحيط بمطار بيروت هو أولوية ويتقدم على ما عداه من أسباب موجبة لتشغيل مطار آخر، كاشفاً عن أن "داتا" المطار مخترقة من قبل جهات حزبية.
واعتبر أن "حزب الله" الذي يسيطر على القرار المركزي في لبنان هو من يقرر في مسألة تشغيل مطار آخر، مشيراً إلى أنه يجب السعي إلى تحرير القرار المركزي من ثم تحرير مطار بيروت، عندها يمكن اتخاذ القرار بتشغيل مطار جديد، إذ برأيه في ظل الهيمنة وإحكام قبضة "الميليشيا" على القرارات في الدولة اللبنانية ليس هناك من إمكانية متاحة لتشغيل مطار ثان.
مطارات طائفية
أما الأستاذ الجامعي الدكتور هشام أبو ناصيف، المعروف بتأييده تطبيق النظام الفيدرالي في لبنان، فدعا إلى الإضاءة على عوامل عدة، أبرزها ضرورة إنشاء مطار جديد بما يؤمن فرص عمل وتطوير للاقتصاد المحلي. واعتبر أن وجود مطار واحد في البلاد سببه الهيمنة التي يمارسها "حزب الله"، فـ"المطار جغرافياً يقع في منطقة خاضعة أمنياً وسياسياً لسيطرته، وهذا يضغط على اللبنانيين، لا سيما على المعارضين لسياسة الحزب".
وأشار إلى أن "أحادية المطار هي جزء لا يتجزأ من مشروع الهيمنة الطائفية على البلد"، مردفاً أنه كما يسيطر الحزب وطائفته على مطار بيروت فيجب أن تمتلك الطوائف الأخرى مطاراتها الخاصة.
هواجس التقسيم
في المقابل ترفض مصادر مقربة من "حزب الله" الاتهامات الموجهة للحزب بأنه يسيطر على مطار بيروت الدولي، معتبرة أن الدعاية "الإسرائيلية" تقف وراء تشويه سمعة المطار بهدف تقليب الرأي العام اللبناني ضد الحزب وتصويره بأنه من يتسبب بالأزمات الداخلية للبلاد، ومشددة على وجود جميع الأجهزة الأمنية في المطار ووجود موظفين مقربين من جميع الأطراف، نافية أي استخدام عسكري أو غير شرعي للحزب في المطار.
أما عن عرقلة تشغيل مطار ثان في لبنان فلفتت المصادر إلى أن الحزب لم يعرقل أي طرح بهذا الشأن، إلا أنه غير متحمس لهذه الفكرة كون لبنان دولة صغيرة ولا تحتاج إلى مطار إضافي، إنما الأهم برأيها تطوير وصيانة المطار الحالي قبل العمل على إنشاء آخر، مشيرة إلى مخاوف متعلقة بدخول عناصر "داعش" إلى البلاد عبر مطار في الشمال قد يكون خارجاً عن السيطرة الفعلية للدولة، إضافة إلى إمكانية استغلال بعض أصحاب الأفكار التقسيمية وجود مطار ثان.
مطار "حامات"
وفي لبنان مطارات ومدارج عدة جاهزة للاستعمال ويمكن تشغيلها والعمل على تخصصها، مثل مطار الرئيس رينيه معوض في القليعات، الذي يعتبر مرفقاً نموذجياً يمكن أن يكون رئة حيوية لعكار والشمال، كما تصلح قاعدة رياق لأن تكون مطاراً للبقاع بكل مناطقه، ومطار حامات يصلح لجبل لبنان، والجنوب يمكن أن يكون له مطاره الخاص، لتوفر الأمكنة الجغرافية الصالحة لإنشاء المدارج.
وبحسب بعض الدراسات فإن كلفة إنشاء مطار مدني في قاعدة حامات الجوية، ستكون أقل بكثير من كلفة توسيع مطار بيروت الدولي، كما أن مطار حامات يتمتع بموقع استراتيجي مهم، فقربه من سوريا يجعله موقعاً مثالياً لاستقبال الرحلات الجوية القادمة من دول الشرق الأوسط.
لقراءة المقابلة على موقع إنديبندنت عربية مع الإعلامي طوني بولس إضغط هنا
Cyber Security & Digital Transformation - Consultant & Expert
CEO – Revotips Expert Tech Consultants