هوليوود تواجه الذكاء الصناعي وقلة الأجور.. تعرّف "الإضراب التاريخي المشترك"

الإضراب المشترك يشكّل الآن عقبة أمام إنتاجات هوليوود، إذ يسعى خلاله الكتّاب والممثلون للحصول على رواتب أفضل بعد الاعتماد الكبير على منصّات البث الرقمي، إضافة إلى مطالبهم في حماية وظائفهم من التهديدات التي قد تطرأ نتيجة الاعتماد على الذكاء الصناعي.
يستمر إضراب عشرات الآلاف من عاملي السينما والتلفزيون في الولايات المتحدة الأمريكية، للمطالبة بحقوقهم في معركة مع استوديوهات هوليوود حول الأجور وظروف العمل والذكاء الصناعي التي أدّت إلى اعتصامات مشتركة.

فبعد إضراب آلاف كتّاب السينما والتلفزيون في "نقابة الكتاب الأمريكية" (WGA) المستمر منذ مايو/أيار الماضي على خلفية قضايا تدنّي الأجور والأمن الوظيفي، انضمّ "نقابة ممثلي الشاشة-الاتحاد الأمريكي لفناني الراديو والتلفزيون" (SAG-AFTRA)، الذي يمثّل أكثر من 150 ألف فنان وفنانة إلى الإضراب في 13 من يوليو/تموز، في أوّل حركة احتجاجية واسعة منذ 63 عاماً.

الإضراب المشترك، الذي سيدخل أسبوعه الثالث، يشكّل الآن عقبة أمام إنتاجات هوليوود، إذ يسعى خلاله الكتّاب والممثلون للحصول على رواتب أفضل بعد الاعتماد الكبير على منصّات البث الرقمي، إضافة إلى مطالبهم في حماية وظائفهم من التهديدات التي قد تطرأ نتيجة الاعتماد على الذكاء الصناعي.

الذكاء الصناعي.. "لا مفرّ منه"

رئيسة "SAG-AFTRA" والنجمة السابقة لمسلسل "المربية" (The Nanny)، فران دريشر، صرّحت في خطاب الإعلان عن الإضراب أنّ "أساليب العمل تغيّرت بكاملها بعد منصات البث التدفقي والذكاء الصناعي، هذه لحظة تاريخية، إنّها لحظة الحقيقة، وإذا لم نقف بقوّة الآن، فسنكون جميعاً في ورطة".

ويشكّل الذكاء الصناعي محوراً أساسياً في انهيار العقود التي أدّت إلى إضراب نقابات الممثلين والكتّاب، وكان المدير التنفيذي للنقابة، دنكان كرابتري أيرلندا، انتقد اقتراحات المنتجين حول الذكاء الصناعي، قائلاً إنّ "الاستوديوهات طلبت التقاط صور رقمية مفصّلة لوجوه الكومبارس مقابل أجر يوم واحد، ومن ثمّ امتلاك تلك الاستوديوهات الحقّ في استخدام صورهم إلى الأبد، في أي مشروع يريدون، دون موافقة أصحاب الصور أو تعويضهم مادياً".

وتشير وكالة "أسوشيتد برس" إلى أنّ المفاوضات حول هذه التكنولوجيا وصلت إلى منطقة غير واضحة المعالم، فمع تقنية الذكاء الصناعي التوليدية، يخشى الممثلون فقدان السيطرة أمام أشباههم التي تستطيع الكمبيوترات توليدها، كما يخشى الممثلون غير المعروفون من استبدالهم تماماً.

ويجري الآن استخدام تقنيات الذكاء الصناعي تقريباً في أغلب الأفلام، مثلاً لتصغير أو تكبير أعمار الممثلين أو إنشاء صور متحركة مطابقة تماماً لهم، أو استنساخ أصواتهم وإعادة استخدامها، إذ صار استخدام التكنولوجيا على نطاق أوسع "أمر لا مفرّ منه"، ولهذا السبب يتطلّع الجميع الآن من أعضاء النقابات إلى تأسيس رقابة قانونية وإبداعية، وفق الوكالة.

وحول حجم التهديد الذي يمكن أن يشكّله الذكاء الصناعي على قطاع الإنتاجات السينمائية والتلفزيونية، يرى المستشار في أمن وتكنولوجيا المعلومات والخبير في الذكاء الصناعي، رولاند أبي نجم، أنّ التهديد كبير جداً إذ يُمكن أن يدخل الذكاء الصناعي تقريباً في جميع مراحل الإنتاج، وذلك عبر تقنيات "الذكاء الصناعي التوليدي" "Generative Artificial Intelligence" التي تستطيع كتابة النصوص (السيناريو)، وخلق مواقع التصوير، وحتى استنساخ الأصوات والتمثيل.

وفي حديثٍ مع TRT عربي، يشرح أبي نجم أنّه على صعيد كتابة النصوص مثلاً يمكن إدخال جميع نصوص الأفلام الحالية والسابقة على أجهزة الكومبيوتر لتوليد نص جديد كامل متكامل.

وقال، "عادة يستوحي الكُتّاب أعمالهم من نصوص وأعمال أو مسرحيات سابقة، وهو ما يُطبّق في هذه التقنيّة التي يمكنها إعادة إنتاج النصوص عدّة مرات للوصول إلى المطلوب، ومن المتوقع أن يقتصر عمل كّتاب السيناريو على تنقيح النصوص أو تعديلها بدلاً من كتابتها من الصفر".

وأضاف الخبير أنّه يمكن أيضاً خلق أماكن التصوير واستخدام وجوه الممثلين أو أصواتهم في مقاطع دون دخول عامل بشري، ولو كانت توجد حاجة إلى الاستعانة بممثلين مشهورين، فيمكن أن يعطوا حقوق استخدام أشكالهم لشركات الإنتاج عبر تصاريح أو رخص تتيح استخدامها في الأفلام، إذ تتيح تقنية "التزييف العميق" (Deep Fake Video) إنشاء فيديو كامل والاستعانة بنسخ الممثلين الرقميّة.

وتزامناً مع الإضراب الحالي، أعلنت منصة "نيتفلكس" (Netflix) منصباً وظيفياً بمسمى "مدير منتجات التعلم الآلي" بأجر ما بين 300 و900 ألف دولار سنوياً، فيما تبلغ أجور 87٪ من أعضاء نقابة الممثلين أقل من 26 ألف دولار سنوياً، وفق تقرير لصحيفة "جارديان".

ويسعى المنصب الوظيفي الجديد "لزيادة فاعلية منصة التعلم الآلي" الخاصة بالمنصة، والتي وصفتها بأنّها "الأساس لكل هذا الابتكار"، وليس هذا منصب الذكاء الصناعي الجديد الوحيد الذي نشرته "نتفلكس" إذ تسعى أيضاً لتوظيف "مدير تقني للذكاء الصناعي التوليدي" في استوديو الألعاب الخاص بها مقابل 650 ألف دولار سنوياً، ولا يقتصر الأمر فقط على "نتفلكس"، بل تبحث منصة "ديزني" (Disney) أيضاً عن متخصصين في المجال نفسه.

ألا ليت الـDVD يعود!

وبجانب الذكاء الصناعي، تشكّل قضية رفع الأجور وتحسين الرواتب المتدنية والعوائد المادية لإعادة بثّ الأعمال المطالب الأبرز للمعتصمين، إذ يشمل الإضراب أيضاً عشرات الآلاف من الممثلين غير المعروفين الذين يتدافعون للحصول على أدوار صغيرة مقابل أجور ضئيلة.

ويشير اتحاد الممثلين إلى أنّ مصادر الدخل المتواضعة، ولكن الضرورية، بما فيها المبالغ المالية طويلة الأمد للعروض التي يظهر فيها الممثلون على منصات البث التدفقي لم تعد مثل السابق.

و"المبالغ المالية طويلة الأمد" (Residuals)، هي مدفوعات طويلة الأجل يتقاضاها الممثلون أو الكتّاب مقابل إعادة البث بعد الإصدار الأولي، وتتفاوض عليها النقابات التي يَنتسب إليها الفنانون، وكان هذا النظام طوّر الدفع عام 1960، وهو العام الذي كان فيه الكُتّاب والممثلون في إضراب أيضاً.

وتبرز المشكلة الآن بأنّ هذه المدفوعات لم تُعد مرتبطة بمدى نجاح العمل المرتبطة به، إذ إن معظم منصات البث التدفقي لا تنشر أرقاماً محددة للمشاهدات، مما يقلل المبالغ التي يتقاضاها الممثلون من هذه الأعمال التي تعرض على المنصات مهما حققت نجاحاً، بالمقارنة عندما كانت تعرض على الأشرطة والأقراص المدمجة في السابق.

والمدفوعات، التي تنخفض بمرور الوقت، مرتبطة بعدة عوامل بما في ذلك طول الفيلم أو العرض وحجم الدور وميزانية الإنتاج، ومكان عرض الفيلم أو العرض، وفق وكالة "أسوشيتد برس"، وتشمل المفاوضات الآن هذا النوع من الأجور والعقود التي يجب أن تواكب التضخم، إضافة إلى الحد من الاتجاه المتزايد لجعل الفنانين يجرون اختبارات الأداء على نفقتهم الخاصة.

وصرّح الممثل الأمريكي، كريس برونينغ، الذي ظهر في فيلم "برايت" (Bright) مع الممثل الشهير، ويل سميث، بأنّه "لو كانت العروض ما زالت على أقراص DVD ، كنت سأحصل على شيك بقيمة 25 ألف دولار، فيما حصلت من نيتفلكس على 271 دولاراً".

إضراب عابر للقارات

ومن المتوقّع أن تستمر الاحتجاجات طوال فترة الصيف، فوفق وكالة "أسوشيتد برس" فإنّ "التضامن والقدرة على تحمّل صيف طويل وساخن كانا السمتَين الأساسيتَين لاعتصام كتّاب السيناريو والممثلين البارزين في نيويورك ولوس أنجلوس ضد الاستوديوهات".

كما انضمّ عدد من الوجوه الشهيرة في المجال الفني التي اعتصمت في نيويورك وهوليوود بينهم الممثل الأمريكي المشهور، كيفن بيكون، وصرّح أنّ وجوده يتعلق "برؤية الناس وإدراكهم أنّ ليس كل الممثلين هم من ذوي الأجور العالية، وأنّهم أناس من الطبقة العاملة يحاولون كسب لقمة العيش".

ومن نيويورك وخلال تجمّع حاشد في ساحة "تايمز سكوير" الثلاثاء 25 من يوليو/تموز الحالي، تضامن عدد من وجوه السينما والتلفزيون، منهم نجم مسلسل "بريكنغ باد"، براين كرانستون، الذي أبدى مخاوفه من الذكاء الصناعي قائلاً: "لن نسمح بإلغاء وظائفنا وإسنادها إلى الروبوتات".

وفي لفتة هي الأبرز، انسحب ممثلو فيلم المخرج كريستوفر نولان الأخير "أوبنهايمر" (Oppenheimer) من العرض الأول في لندن 13 يوليو/تموز تضامناً مع إضراب "SAG-AFTRA"، وذلك وفاءً بالوعود التي قطعوها على السجادة الحمراء، إذ قال نولان للجمهور إنّ "طاقم فيلمه غادروا وفي طريقهم لكتابة لافتات اعتصامهم".

كما امتدّ الإضراب إلى طاقم فيلم "باربي" الذي يُعرض أيضاً في دور السينما هذا الصيف، إذ من غير المرجّح أن يكمل أبطال العمل مثل مارجوت روبي، وريان جوسلينج، ونجوم آخرين في العروض الترويجية حتى إشعار آخر تضامناً مع النقابة.

وفي العاصمة البريطانية لندن، احتشد ممثلون للتضامن مع زملائهم في الولايات المتحدة فاجتمع نجوم الدراما والسينما البريطانية، منهم براين كوكس، نجم مسلسل الدراما-الكوميديا الشهير "Succession"، إضافة إلى آندي سيركيس وسيمون بيج وفنانين آخرين، وهتفوا بعبارات: "كفاح واحد، قتال واحد، نحن ندعم قتال SAG-AFTRA".

أكبر معارك هوليوود

ويعتبر الإضراب أكبر معركة عمّالية في هوليوود منذ ستة عقود، وأول إضراب مزدوج منذ عام 1960، ضد "تحالف منتجي الأفلام والتلفزيون" (AMPTP)، وهي مجموعة أصحاب العمل والاستديوهات وشركات الإنتاج الضخمة في هوليوود مثل "ديزني" و"نيتفلكس" و"أمازون" وغيرها، مما أدى إلى إغلاق إنتاجات صناعة الترفيه بعد تعطل المحادثات.

ويمنع الإضراب أعضاء النقابة من الممثلين والعاملين في المجال السينمائي والتلفزيوني المشاركة في أي ترويج أعمالهم، في العروض الأولى أو في المهرجانات أو عبر حسابات التواصل الاجتماعي، مما يعطل هوليوود بشكل كبير.

ومن المتوقع تأجيل جوائز "إيمي" السنوية إلى يناير/كانون الثاني من العام المقبل بسبب الإضرابات المستمرة للكتّاب والممثلين، وكان مقرراً إقامة حفل توزيع الجوائز في سبتمبر/أيلول المقبل.

لقراءة المقابلة على موقع TRT عربي إضغط هنا

Roland Abi Najem

Roland Abi Najem

Founder & CEO at Revotips - Cybersecurity & Digital Transformation Consultancy - MBA Instructor at AUST - Public Speaker

American University College of Science and Technology

View profile
Revotips © 2024 All Rights Reserved.
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram