هكذا تحارب مواقع التواصل الاجتماعي الإرهاب والمحتوى الإباحي

هل بدأت الحرب العالمية الثالثة إلكترونياً؟ ما يجري حالياً بعد الرسوم المسيئة للإسلام في فرنسا وما نتج عنه من ردود فعل عنيفة في جميع أنحاء أوروبا والتوتر الحاصل بين فرنسا وتركيا لا يبشّر بالخير.

لم تنته نتائج هذا الموضوع بعد، وهذا ما أشارت إليه تغريدة الرئيس الفرنسي الأخيرة والتي قال فيها: “الإنترنت هو فضاء للحرية، وشبكاتنا الاجتماعية أيضًا. لكن هذه الحرية لا توجد إلا إذا كان هناك أمن. إنه موجود فقط إذا لم يكن الإنترنت ملاذًا لأولئك الذين يستهزئون بقيمنا أو يسعون إلى تلقين عقيدة أيديولوجية قاتلة”. وأضاف:” ومن المقرر اعتماد اللائحة الخاصة بإزالة المحتوى الإرهابي من الإنترنت خلال ساعة واحدة خلال الأسابيع المقبلة”.

هذه ليست المرة الأولى التي يتم التحدث عن قوانين من هذا النوع. ففي شهر أيار/ مايو الماضي، أقر البرلمان الفرنسي قانونًا مثيرًا للجدل بشأن خطاب الكراهية، قدمته نائبة عن حزب ماكرون “الجمهورية إلى الامام”، وهذا القانون يُجبر منصات التواصل الاجتماعي ومحركات البحث على ازالة أي محتوى يحرّض على الكراهية، العنف، العنصرية والتعصّب الديني. يُمهل القانون الشركات المشغلة لمواقع التواصل الاجتماعي 24 ساعة لحذف المنشورات والتعليقات المحرضة على الكراهية. كما يُمهل القانون مواقع التواصل الاجتماعي أقل من ساعة لحذف المحتوى الاباحي المتعلق بالأطفال بغرض التشهير والابتزاز.
يفرض هذا القانون غرامات قد تصل إلى مليون وربع المليون يورو على مواقع التواصل الاجتماعي التي تتأخر عن حذف المنشورات أو ترفض ذلك.

طرح هذا الموضوع أعادنا بالذاكرة إلى الهجمات الإرهابية التي وقعت في باريس عام 2014 والتي أسفرت عن مقتل 127 شخصًا على الأقل وإصابة أكثر من 300 شخص، حيث تبيّن أنّ التخطيط للمجزرة حصل باستخدام الدردشة على جهاز الـ PlayStation 4 من سوني.

يجب مناقشة هذه القوانين من ناحيتين:

مدى معارضته مع حرية الرأي التعبير والقوانين الدولية لحقوق الانسان وكيف من الممكن أن يتم استخدام هكذا قوانين لأهداف سياسية

-إمكانية تطبيق هكذا قوانين من الناحية التقنية إن من ناحية فرض القوانين على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تتعارض مع قوانينها الداخلية، أو من ناحية القدرة التقنية لمواقع التواصل الاجتماعي لرصد كل هذه المواضيع بالسرعة المطلوبة.

في النقطة الأولى، يخشى بعض الخبراء القانونيين والنشطاء أن يمنح هذا القانون الحكومة سلطة غير مسبوقة لفرض رقابة على أنشطة الإنترنت. حيث قال بعض الناشطين المناهضين للرقابة والمراقبة على الإنترنت أن هذا القانون يمكن أن يمنح الفاعلين السياسيين “أداة جديدة لإساءة استخدام سلطتهم والرقابة على الإنترنت لأغراض سياسية” وأكد أن “أحد مخاطر هذا القانون أنه قد ينقلب ضد الصحفيين والناشطين والباحثين الذين يدعي الدفاع عنهم. لا أحد يعرف بالضبط ما هو المحتوى الذي يجب اعتباره” غير قانوني بشكل واضح “على الإنترنت”.

من ناحية أخرى، فإن هذا القانون يتعارض كليا مع الـ General Data Protection Regulation GDPR أي “النظام الأوروبي العام لحماية البيانات” والذي أصبح ساري التنفيذ عام 2018 وهو نظام في قانون الاتحاد الأوروبي يختص بحماية البيانات والخصوصية لجميع الأفراد داخل الاتحاد الأوروبي. ويتعلق أيضاً بتصدير البيانات الشخصية خارج الاتحاد الأوروبي. ويهدف نظام “جي دي بي آر” في المقام الأول لإعطاء المواطنين والمقيمين قدرة على التحكم والسيطرة بالبيانات الشخصية وتبسيط بيئة التنظيمات والقوانين للمشاريع التجارية الدولية من خلال توحيد التنظيم داخل الاتحاد الأوروبي.

بناء على كل ما تقدم، فمن البديهي هنا أن نسأل السؤال التالي: كيف يمكن التوفيق بين قانون لحماية البيانات والخصوصية لجميع الافراد وبين قانون مبني على رصد جميع البيانات؟

بالنسبة للنقطة الثانية، كيف يمكن تقنيا تنفيذ هذا الموضوع، هل يمكن مراقبة جميع مواقع التواصل الاجتماعي على مدار الساعة؟ بطبيعة الحال سيتم الموضوع عبر برامج الذكاء الاصطناعي لكن ما مدى دقة هذه البرامج؟ من سيتمكن من السيطرة عليها ووضع المعايير التي من شأنها أن تصنّف أن هذا المحتوى إرهابي أو عنصري أو غيره؟

لنفترض إننا تمكنا من مراقبة أهم مواقع التواصل الاجتماعي من فايسبوك وتويتر وغيرهما… فهناك الآلاف من مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى التي لا يمكن السيطرة عليها أو لا يمكن فرض هذه القوانين الالكترونية. لنفترض مثلاً أن موقعاً إلكترونياً معيّن موجود على سيرفر صيني، والمبرمجون من كوريا الشمالية، والمشغلون من المغرب والمضمون يهاجم فرنسا… فعلى أي قانون ممكن أن يحاسب هذا الموقع؟

كلنا نعلم أن هناك قوانين دولية وهناك دول لا تخضع لهذه القوانين، فكيف بالأحرى إذا كانت هذه القوانين تتعلق بعالم الانترنت حيث لا حدود ولا إطار يمكن أن يحدّه؟

في الخلاصة، من حق جميع الدول أن تعمل لمكافحة الإرهاب والعنصرية وغيرها، لكن المشكلة أننا غير متفقين في الأساس على المفاهيم الأساسية! فلكل شخص مفهومه الخاص للحرية والديموقراطية والأديان وغيره. لكن تبقى نقطة أساسية غير قابلة للنقاش، لا يوجد حرية مطلقة مشروطة، فمتى أصبحت مشروطة بقيود معينة يعني أنها حرية مقنعة مغلفة بقناعات الجهة التي تضع هذه الشروط.

Roland Abi Najem

Roland Abi Najem

Founder & CEO at Revotips - Cybersecurity & Digital Transformation Consultancy - MBA Instructor at AUST - Public Speaker

American University College of Science and Technology

View profile
Revotips © 2024 All Rights Reserved.
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram