لا شك أن موضوع الساعة هو الانتخابات الرئاسية الأميركية مع كل ما رافقها من حملات إعلامية قبل الانتخابات، وخلال الانتخابات وحتى بعد صدور النتائج وما تخللته من اعتراضات من ترامب وفريق عمله على ما قال إنّها انتهاكات حصلت مثل التزوير في الفرز أو انتخاب الموتى وغيره حسب ترامب.
يعلم الجميع أنّ ترامب خاض الانتخابات في ظروف سيئة جداً من جميع النواحي. فجائحة كورونا ما زالت خارج السيطرة في الولايات المتحدة الأميركية ومقتل جورج فلويد الذي أدّى إلى تظاهرات وفوضى عارمة. أضف إلى ذلك أنّ معظم وسائل الاعلام الأميركية وعلى رأسها الـ CNN تعمل وتسوّق ضد الرئيس الأميركي ترامب، الأمر الذي دفعه إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتحديداً “تويتر” للتواصل مع الجمهور وتسويق نفسه.
لكن ما جعل الأمور كارثيّة بالنسبة لترامب هو أن “تويتر” انضم لوسائل الإعلام المعارضة له، وعمد إلى حجب معظم تغريداته تحت حجّة مكافحة الأخبار الكاذبة. فبعد حجب عدة تغريدات متعلقة بمكافحة الاخبار الكاذبة حول كورونا، أتى بعدها إخفاء عدد كبير جداً من التغريدات المتعلقة بالانتخابات الرئاسية الأميركية لاعتبارها أخباراً كاذبة. لكن المفارقة بالموضوع أنّ حجب التغريدات كان من ناحية ترامب فقط وقد عانى بقوة بسبب هذا الموضوع كون “تويتر” هو الوسيلة الأساسية التي يتواصل بها مع ناخبيه، والأسوأ أن الحجب كان يتم باعتبار هذه التغريدات تنشر أخبار كاذبة، واستند “تويتر” في هذا الموضوع إلى وكالات الأخبار ومحطات التلفزة التي كانت ضد ترامب.
الغريب بالموضوع أن بعض التغريدات التي تم حجبها لا تتضمن معلومات تستوجب الحجب مثل التغريدة التالية، حيث طالب ترامب بوقف الفرز والشفافية بسبب عدم السماح بدخول مندوبي حملته إلى غرف الفرز وهذا حقّه الطبيعي.
بينما عندما تحدث بايدن عن نفس الموضوع أي أن الأصوات يتم احتسابها بشكل كامل لم يتم حجب تغريدته.
فإذاً، لعبت مواقع التواصل الاجتماعي دورا أساسياً في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وتحديداً “تويتر”، حيث تحوّل من منصة للتواصل ونشر الأخبار، إلى وسيلة إخبارية ذات توجهات سياسية واضحة وتدير معارك انتخابية مع جهة ضد جهة أخرى!
بدأت مواقع التواصل الاجتماعي بتكثيف عملها لمكافحة الأخبار المزيفة منذ عام 2016 وتحديداً بعد الانتخابات الأميركية، وما رافقها من نشر شائعات وأخبار كاذبة ومعظمها من حسابات وهمية. فمعركة مواقع التواصل الاجتماعي مع الأخبار الكاذبة مقسّمة إلى جزئين:
رصد وإغلاق الحسابات الوهمية
تحليل جميع الاخبار وتصنيفها وحذف المزيّف منها.
يعلم جميع المتابعين أن تويتر وفايسبوك، وعلى مدار السنوات الماضية، قاما بإزالة الملايين من الحسابات الوهمية مما جعل عدد كبير من المشاهير يخسرون العديد من متابعيهم الوهميين والذين تم شراؤهم سابقاً.
في البداية، يعمد “تويتر” إلى جمع بعض المعلومات من جميع الحسابات لتحليلها مثل: اسم الحساب، وعدد التغريدات، وعدد الحسابات المتابعة له، والحسابات التي يُتابعها، والصورة والوصف.
بعد جمع هذه المعلومات، يتم تحديد القائمة الأساسية لتحديد الحسابات الوهمية وهي:
كثرة إعادة تغريد منشورات الحسابات الأخرى: إذا كان أكثر من 90% من التغريدات على الحساب هي إعادة تغريد فقط فهذا دليل على أن هذا الحساب وهمي.
نسبة إعادة التغريد أكثر من نسبة الإعجاب: بطبيعة الحال أي تغريدة تحصل على عدد كبير من الاعجاب (Like) وعدد أقل من إعادة التغريد (Retweet)، فإذا كان العكس صحيح أي أن إعادة التغريد أكثر من الإعجاب فهذا دليل آخر على أن هذا الحساب وهمي.
التوقيت: يتم دائما النظر وتحليل أوقات التغريدات، مثلاً من غير الطبيعي أن يكون أي حساب شخصي شغالاً على مدار الساعة. فالمستخدم الحقيقي يقوم بالتغريد في ترتيب زمني منتظم، ولكن من ناحية أخرى ستجد أنّ الحساب الوهمي يتخذ نهجاً غير منظّم للنشر.
بالنسبة للأخبار المزيفة، توجد عدّة معايير لتحديدها منها أن لدى مواقع التواصل الاجتماعي عدة مصادر موثوقة للمعلومات، على سبيل المثال لا الحصر جامعة جون هوبكنز الأميركية وغيرها، فعندما يتم نشر معلومات تتعارض مع هذه المعلومات الموثوقة والمحفوظة في قاعدة بيانات مواقع التواصل الاجتماعي، عندها يتم حذفها أو إخفاءها كونها تتضمن أخبار مزيفة.
لكن الموضوع يختلف عندما يتعلق الأمر بالسياسة. فلا يوجد معيار أو مرجعية تحدد ما هو الصح وما هو الخطأ. فعمل مواقع التواصل الاجتماعي هو نشر جميع الآراء للمتابعين وعلى المتابعين أن يقوموا بجمع المعلومات وتكوين رأيهم الخاص وهذا ما يسمّى بالـ Content Curation. أما أن تقوم بحجب أخبار جهة معينة فقط ففي هذه الحالة تكون طرف يعمد على التأثير في توجهات الرأي العام والمتابعين.
لكن الأهم، فإنّ الذّكاء الاصطناعي المسؤول عن كشف هذه المواضيع، هو عبارة عن عدة برامج، بعضها تم شراؤها من قبل فايسبوك وتويتر، والبعض الآخر تم برمجته داخلهما. أهمية هذه البرامج يكمن في تطوير نفسها بنفسها مع الوقت (مثل ذكاء الانسان)، حيث لديها القدرة على تحليل البيانات الكبيرة (الكميات الهائلة من الحسابات والتغريدات) وتحليل النمط التي يستخدمه الانسان خلال عمله على مواقع التواصل الاجتماعي وكيفية تفاعله مع الاخبار والوقائع وتقوم بمقارنته مع الحسابات المزيفة والاخبار الوهمية. لذلك من الطبيعي أن تقع هذه البرامج في أخطاء معينة، أي اعتبار خبر صحيح كمزيّف، أو حساب صحيح كوهمي.
تعمل شركة تويتر حالياً على تطوير واختبار ميزة جديدة تحمل اسم “Birdwatch” تتيح للمستخدمين تحذير بعضهم البعض أثناء تصفحهم تغريدات مضللة قد تؤدي إلى نشر أخبار كاذبة، لكن لا تزال هناك الكثير من التفاصيل الغامضة حول هذه الميزة الجديدة وقد أكدت الشركة أنها ستكشف المزيد حول آلية العمل بالضبط ومتى ستطلقها لجميع المستخدمين.
وتتيح هذه الميزة للمستخدم إضافة أي تغريدة إلى إطار معيّن لمتابعتها من قبل التويتر، كما تتيح إضافة ملاحظات للتغريدات التي يكون هناك شك بأنها تحتوي على معلومات مضللة لكي يتم التأكد منها، كما يمكنك جعل الملاحظات عامة أو خاصة.
كذلك يمكن للمشرفين التصويت على التغريدات التي يتم إضافتها للخاصية وذلك للإقرار إن كانت مضللة أم لا، لكن يبدو أنه لا يزال هناك الكثير من الوقت قبل أن تظهر الخاصية بشكلها الرسمي النهائي.
فإذا، كل ما تقدمنا به يؤكد أن تويتر، بالإضافة إلى برامج الذكاء الاصطناعي، فإنه يستعين بالمستخدمين لتطوير هذا البرامج وتحسين خدمة مكافحة الاخبار المزيفة.
في الخلاصة، يجب على مواقع التواصل الاجتماعي العودة الى الجذور، إلى أسباب وجودها أي التواصل المباشر وحرية الرأي والتعبير بين الحسابات لأنّه عندما تدخل هذه المواقع كطرف يتحكّم في المضمون، فعندها يختفي سبب وجودها وتصبح كأي وسيلة إخبارية لها أهداف سياسية!
Cyber Security & Digital Transformation - Consultant & Expert
CEO – Revotips Expert Tech Consultants