يتكلم الجميع في لبنان عن مصطلح “الجيوش الالكترونية” لكن بمعظم الأوقات يتناولون الموضوع من إطاره الضيّق والمقصود هنا معارك مواقع التواصل الاجتماعي والـ “Trending Hashtag” ومن يستطيع أن يجعل الـ “Hashtag” الخاص به في الصدارة! من هنا يجب أن ننطلق بتعريف المعنى الحقيقي للجيوش الالكترونية.
في البداية، عندما نتحدث عن جيش نقصد مجموعة أو مجموعات مُنَظمة، مٌدَربة، متفرغة لديها هرمية إدارية وتمويل ليغطي التكاليف الإدارية والمعاشات الشهرية بالإضافة إلى الأسلحة (وهنا نتحدث عن الوسائل التقنية التي يتم استخدامها من قبل الجيوش الالكترونية). بطبيعة الحال فهذه المتطلبات غير موجودة عند معظم الأحزاب اللبنانية باستثناء حزب الله الذي لديه جميع الإمكانات المذكورة. من بعده يمكننا أن نتحدث عن حزب القوات اللبنانية الذي لديه التنظيم الجيد لكن تنقصه الإمكانات المادية الموجودة لدى حزب الله بالإضافة إلى القرار القيادي بإعطاء الأولوية والاهمية لجيشهم الالكتروني وتدريبه وتطويره وتأمين الدعم اللازم له. كما نرى أن من الأحزاب التي تعطي أهمية للجيش الالكتروني التيار الوطني الحر لكن بالإطار الضيق أي أن التركيز يقع فقط على معارك مواقع التواصل الاجتماعي كما ذكرنا سابقا.
إذا أردنا أن نفصّل طبيعة عمل الجيوش الالكترونية، فهي تندرج في ثلاث نقاط:
التجسس الإلكتروني: أو حرب التجسس المعلوماتي هي عبارة عن عدة طرق لاختراق المواقع الإلكترونية ليس بهدف التخريب بل لسرقة بعض المعلومات المهمة والخطيرة. وهناك العديد من الأمثلة على هذا الموضوع وأهمها الفضيحة الكبرى التي حصلت سنة 2015 حين تعرضت شركة Hacking Team الإيطالية العاملة في مجال تكنولوجيا التجسس لعملية اختراق واسعة النطاق نتج عنها تسريب عدد ضخم من مستندات تخص التعاقد مع عدد كبير من الدول منها عدة دول عربية (من ضمنها لبنان) اشترت برامج للتجسس على مواطنيها من هذه الشركة، وأن الجهات المشترية هي أجهزة الاستخبارات ووزارات الداخلية والدفاع! فإذاً يمكن للجيوش الإلكترونية أن تكون تابعة لجهات حكوميّة رسميّة كما من الممكن أن تكون لجهات معارضة.
الهجمات الإلكترونية: والتي تهدف إلى تخريب البنى التحتية وقد تم استخدامها بشكل مكثف من الأحزاب اللبنانية حيث تعرّضت جميع المواقع الالكترونية الإخبارية للاختراق من مواقع القوات والتيار وباقي المواقع لعمليات اختراقات متكررة. لكن تبقى عمليات الاختراقات هذه ضمن إطار الهواة إذ إن معظم الاختراقات تمت ما بين عامي 2005 و2010 حيث لم يكن للقيمين على هذه المواقع الخبرات التقنية الكافية لتأمين المواقع من الاختراق بالإضافة إلى أنه لم تكن الأحزاب تخصص الميزانيات الكافية لشراء أجهزة الحماية وغيره.
حروب المعلوماتية في وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية: وهنا تكمن اللعبة الأساسية بين الأحزاب الرئيسية في لبنان. فالكل أصبح يعلم أن مواقع التواصل الاجتماعي هي من تدير بنسبة كبيرة الرأي العام وخاصة في لبنان والدول العربية حيث من الممكن أن تؤدي تغريدة واحدة للإطاحة بحكومة.
كما سبق وذكرنا، فإن الأحزاب الأساسية في هذه المعركة هي حزب الله مع كل ما يمثله من قوى سياسية محلية وإقليمية ودعم مالي وتنظيمي كبير، بالإضافة إلى كل من القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر. فكيف تتم هذه العملية التنظيمية وكيف تتم إدارتها؟
التركيز الأساسي والتي هو معيار نجاح معظم المعارك هو أن يصبح الـ Hashtag الخاص بعركتك ضمن لائحة الـ Trending Hashtags لكن ما لا يعرفه معظم الناس أن هذا الموضوع نسبي حسب كل مستخدم. فهذه اللائحة تختلف بين كل حساب وآخر إذ أن الـ Trending Hashtags مرتبط بحساب كل شخص حسب مكان إقامته، الأشخاص الذين يتابعهم والوقت الذي يتم فيه النقاش والاهم أن هذه اللائحة تتغير باستمرار خلال اليوم الواحد بحسب النقاشات التي تتم.
معيار النجاح الثاني هو التصويت حيث يتم طرح سؤال محدد مع عدة احتمالات (Poll) ويقوم كل حزب بتجييش جيشه الالكتروني للتصويت للجواب المفضل لديه.
في كلا الحالتين، الغش سيد الموقف، إذ إن أي مجهود من أي حزب للتصويت أو لتغريد باستخدام Hashtag معيّن ممكن أي يقابل بشراء تصويت وتغريدات وهمية من الانترنت عبر ما يسمى بالـ Bot or Robots وهي حسابات وهمية يتم شراؤها بالآلاف لتوجيه البوصلة بالاتجاه الذي يريده أي حزب.
تلجأ بعض الجيوش المدربة إلى استخدام استراتيجيات ذكية في المواجهة مثل تغيير حرف واحد في الـ Hashtag الذي يستخدمه الخصم بهدف تحوير المغردين عن الـ Hashtag الرئيسي مثل ما حصل في بداية ثورة 17 تشرين الأول حيث كان الـ Hashtag الأقوى والمعتمد هو #لبنان_ينتفض ليبرز من بعده #لبنان_يتنفض و #لبنان__ينتفص وبالتالي تنقسم التغريدات على عدة Hashtags.
بعض التعليمات الأخرى التي تمليها قيادات هذه الأحزاب على جمهورها عبر مجموعات الواتساب هي عدم الدخول بنقاش مع فريق الخصم عبر الـ Hashtags الذي يستخدمونه لأنهم بالتالي يساعدونهم على نشره، بل يدعوهم لخلق Hashtags منافس للرد عليهم.
في الخلاصة، معظمنا يعلم أن الحرب العالمية الثالثة هي حرب الكترونية بامتياز حيث تقوم دول عظمى مثل أميركا وروسيا وغيرها باستثمار مبالغ كبيرة في الجيوش الالكترونية. كما أن الجميع لاحظ الأهمية التي أولاها الرئيس الأميركي ترامب بموضوع TikTok لأنه يعلم قدرة تأثيره خاصة أن ترامب نفسه هو من أهم مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي.
يبقى السؤال إلى أي مدى ستبقى المنافسة بين جيوش الأحزاب اللبنانية الالكترونية ضمن إطار المنافسة على مواقع التواصل الاجتماعي وهل من الممكن أن نشهد انتقال هذه المنافسة حيث تنتقل المواجهة إلى هجمات إلكترونية مركزة هدفها التخريب أو التنصت؟
Cyber Security & Digital Transformation - Consultant & Expert
CEO – Revotips Expert Tech Consultants